الجائحة
في الازمات وحدها، يدرك الانسان ضعفه ...
وفي الازمات وحدها يُحكم عليه بأن يواجه عجزه،
هو الذي اعتقد طويلا بأنه سيّد هذا الكون،
والآمر الناهي في حاضره ومستقبله..
منذ أيام فقط ، شعرنا بأن الكرة الارضية ضاقت بنا وبتبجحنا واستخفافنا بكل شيء...
منذ ايام فقط، كنا لا نزال نضرب عرض الحائط بكل الامور المهمة والملحّة،
ونتبجح بالسخافات والخلافات والاختلافات،
ونصنّف البشر بين من يستحق أن يعيش ومن يستحق أن يُسحق...
ومنذ ايام فقط، كنا لا نزال نتسابق في الصلاة لادياننا، والدعاء لزعمائنا،
نبحث عن عدو نكرهه ونصبّ عليه جام غضبنا ونحمّله وِزر فشلنا...
فجأة، حطّ ذلك المارد الجبار على كوكبنا..
القى نظرة مزدرية علينا، وضرب بقدمه على الارض ، فتوقفت عن الدوران...
أصيب بعض الناس بالدوار ... ومات البعض الآخر ..
فيما استهترت شريحة واسعة من البشر واشاحت بوجهها عن الانذار الاول،
كيف تقلق وهي على يقين بأن المصيبة تصيب الاخرين فقط..
قهقه المارد هذه المرة، و مدّ يده وادار الكرة الارضية في الاتجاه المعاكس ، ووقف يتفرج ..
أصيب المستهترون بالصدمة حين شاهدوا الجثث تتساقط حولهم بالعشرات...
شعروا بأن الخطر بات يقف عند بابهم، فاختبأوا في بيوتهم وعزلوا أنفسهم حتى عن قبلة من اطفالهم أو سلام على احبائهم...
خاف الكوكب كلّه.. وصمت ..
واستراحت الارض.. وسكن الكون..
لعل ّ في سكونه عبرة ...
لعلٌ الله يمنّ علينا ببعض تواضع،
اذ اكتشفنا أن المارد الجبار الذي ارعبنا
كان أصغر حتى من أن نراه بالعين المجردة...
ولكنه استطاع أن يهزم تكبّرنا وغرورنا..
وهكذا... أتانا القدر بدرس العمر..
لقد استخففنا بالحياة غير مدركين بأننا جزء من هذه الحياة،
فأمعنّا في استباحة الارض والماء والهواء
حتى بتنا اليوم نخاف حتى من أنفاسنا... وعليها..
اكتشفنا فجأة أن الحياة غالية،
وأن السجن مقيت حتى حين يكون داخل القصور..
اكتشفنا أن الحرية نعمة،
وأن قبلة على خد من نحب، تساوي ثروات الارض كلها...
وجلسنا ننتظر أن تعود الحياة للارض،
حتى تعود لنا الحياة...
لعلنا نولد بشراً من جديد..